الإيمان بالقدر معلومٌ لدى الفطر، فأكثر النَّاس في العالم من قديم الزمان وحديثه لا ينكرونه، ولا ينكر القدر إلا الشواذ، وإنما وقع غلط الأمم الماضية في فهمه عندما أثبتوه عَلَى غير الوجه الشرعي، كما ذكر الله تَبَارَكَ وَتَعَالَى احتجاج الْمُشْرِكِينَ عَلَى النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في القدر ((سَيَقُولُ الَّذِينَ أَشْرَكُوا لَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا أَشْرَكْنَا وَلا آبَاؤُنَا)) [الأنعام:148] ((وَقَالَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا لَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا عَبَدْنَا مِنْ دُونِهِ مِنْ شَيْءٍ نَحْنُ وَلا آبَاؤُنَا)) [النحل:35] وكذلك ((لَوْ شَاءَ الرَّحْمَنُ مَا عَبَدْنَاهُمْ)) [الزخرف:20] وغير ذلك مما اعترض به المُشْرِكُونَ واحتجوا به عَلَى النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فهم يثبتون المشيئة لله، وأجابهم الله تَعَالَى في الموضعين في سورتي الأنعام والنحل فَقَالَ في النحل: ((كَذَلِكَ كَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ))[الأنعام:148] وقَالَ: ((كَذَلِكَ فَعَلَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ)) [النحل:33].
فالأمم السابقة كانت تعرف القدر وتؤمن به وتثبته، ولكن لا تؤمن به عَلَى الحقيقة، وإنما تؤمن به في معرض الاحتجاج به لمضادة شرع الله، فتحتج بمشيئة الله عَلَى رضاه ومحبته وإرادته الدينية.